أحكام المُضاربة اليومية في العُملات الرقمية: نظرة شرعية بعيون ناقدة

أتعامل منذ سنوات مع مسألة العملات الرقمية وشرعيتها، وأرى أن الموضوع أكثر تعقيدًا مما يقدمه البعض. فالمضاربة اليومية ليست مُحرمة بذاتها، لكن الطريقة التي تُمارس بها اليوم مليئة بالشبهات والمخاطر!

الحقيقة المُرّة عن المضاربة اليومية

عندما دخلتُ عالم العملات الرقمية، صدمتُ من حجم المقامرة المستترة تحت مسمى "المضاربة". أكثر المتداولين اليوم لا يفهمون ماهية العملة التي يشترونها! يضغطون زر الشراء لمجرد أن شخصًا ما "نصحهم" أو لأن رسم بياني أظهر إشارة صعود.

أسألكم بالله: هل هذا مالٌ حلال؟ هل نرضى أن نطعم أطفالنا من أموالٍ اكتسبناها من مشاريع قد تمول أنشطة محرمة؟

القضايا الشرعية التي يتجاهلها الكثيرون

١- الغرر الفاحش: ليس مجرد تقلبات الأسعار، بل الجهل التام بطبيعة المشروع. أكثر المتداولين لا يقرؤون حتى الـ(whitepaper)!

٢- تمويل المحرمات دون علم: كثير من العملات تدعم أنشطة لا تتوافق مع الشريعة، وأنت تشتريها دون أن تدري!

٣- المعاملات الربوية المخفية: المنصات تخفي كثيرًا من الرسوم والمعاملات الربوية تحت مسميات مختلفة.

٤- الضرر النفسي: والله لقد رأيت شبابًا أصيبوا باكتئاب حاد بسبب خسارة مدخراتهم في "مضاربة" لم يفهموها أصلًا!

آراء العلماء بين الحماس والتحفظ

يخطئ من يظن أن العلماء متفقون في هذا الأمر. دار الإفتاء المصرية حرّمت التعامل بشكل قاطع، بينما المجمع الفقهي لا زال يدرس ويتروى. وهناك من العلماء من يرى الجواز بشروط صارمة قد لا تتحقق في معظم التداولات اليومية!

والأمر ليس مسألة "تشدد" أو "تيسير"، بل حفاظًا على المال من أن يختلط بالحرام. والله يقول: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾.

الحلول الواقعية وليست المثالية

من خلال تجربتي، هناك طرق للتعامل الأقرب للشرعية:

١- البحث العميق قبل الشراء، وليس مجرد قراءة تغريدة من مؤثر!

٢- الاستثمار طويل الأمد في مشاريع مفهومة وواضحة الهدف.

٣- الابتعاد التام عن الرافعة المالية والمشتقات.

٤- تجنب العملات التي تمول أنشطة مشبوهة أو تقدم خدمات محرمة.

والله، أرى كثيرًا من الشباب يندفعون للمضاربة بحجة "الكل يفعل ذلك"! لكن منذ متى كان اتباع الأكثرية دليلًا على صحة الطريق؟

أفهم تمامًا إغراء الربح السريع، لكن الحلال بيّن والحرام بيّن، والمال الحرام لا بركة فيه مهما كثر.

أرجو أن نكون جميعًا واعين بأن الله يسألنا: "من أين اكتسبت مالك وفيمَ أنفقته؟"، فلنحرص على طيب المكسب قبل كثرته.